فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يُقَالُ لَهُ إبراهيم}.
صار إبراهيم رفعًا، بمعنى يقال له هو إبراهيم؛ وقال: يحتمل يقال له إبراهيم رفع على معنى النداء المفرد.
قوله عز وجل: {قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ الناس لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ}، يعني: يشهدون عليه بما يعرفون منه؛ ويقال: يشهدون عقوبتهم له.
قال: فجاؤوا به إلى ملكهم النمرود بن كنعان.
{قَالُواْ}، أي قال له الملك: {قَالُواْ ءأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِئَالِهَتِنَا إبراهيم قَالَ} إبراهيم؛ {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا}، يعني: عظيم عندكم.
وإنما قال هذا على وجه الاستهزاء، لا على وجه الجد.
{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}، يعني: إن كانوا يتكلمون، فسألوهم من فعل هذا بكم.
{فَرَجَعُواْ إلى أَنفُسِهِمْ}، فلاموها يعني: إلى أصحابهم.
{فَقَالُواْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظالمون}، يعني: حَيْثُ قلتم إن إبراهيم كَسَّرها.
{ثُمَّ نُكِسُواْ على رُؤُوسَهُمْ}، يعني: رجعوا إلى قولهم الأول، وقال القتبي: أي ردوا إلى ما كانوا يعرفون من أنها لا تنطق، فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ} يا إبراهيم، يعني: تعلم أنهم لا يتكلمون يا إبراهيم.
{قَالَ} لهم إبراهيم: {أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئًا}؟ إنْ عبدتموهم، {وَلاَ يَضُرُّكُمْ} إن تركتموهم.
{أُفّ لَّكُمْ}، يعني: قذرًا لكم وسحقًّا لكم وتعسًا لكم؛ والاختلاف في قوله: {أُفّ} مثل ما سيق.
{وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله}، يعني: أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}؟ أن من ليس له ذهن ولا قوة ولا منفعة ولا مضرة أن لا تعبدوه.
قوله عز وجل: {قَالُواْ}، يعني: قال ملكهم: {حَرّقُوهُ وانصروا ءالِهَتَكُمْ}، يعني: انتقموا لآلهتكم، {إِن كُنتُمْ فاعلين} به شيئًا، فافعلوا فأمر النمرود أهل القرى أن يجمعوا له حطبًا أيامًا كثيرة، وأمر بأن يبنى بنيانًا، فبنى حائطًا مستديرًا وجمعوا الحطب ما شاء الله، ثم أضرموا فيه النار، فارتفعت النار حتى بلغت السماء في أعين الناظرين؛ وكانت الطير تمر بها فيصيبها حر النار، فلا تستطيع أن تجوز فيه فتقع ميتة.
فلما أرادوا أن يلقوه فيها، لم يستطيعوا لشدة حرها، ولم يقدر أحد أن يدنو منها، فبطل تدبيرهم وكادوا أن يتركوه. حتى جاء إبليس عدو الله لعنه الله فدلهم على المنجنيق؛ وهو أول منجنيق صُنِعَ وجاؤوا بإبراهيم، فأوثقوا يديه وجعلوه في المنجنيق.
وروي في الخبر: أن السموات والأرض والجبال بكوا عليه، وبكت عليه ملائكة السموات، وقالوا: ربنا عبدك إبراهيم يحرق فيك. فقال لهم: إن استغاث بكم فأغيثوه. فلما رمي في المنجنيق، قال: حسبي الله ونعم الوكيل.فرمي به بالمنجنيق في الهواء، فجعل يهوي نحو النار. فقال جبريل: يا رب، عبدك إبراهيم يحرق فيك، قال الله تعالى: إن استغاث بك فأَغِثْهُ. فأتاه جبريل وهو يهوي نحو النار، فقال: أتطلب النجاة؟ فقال: أما منك فلا. قال: أفلا تسأل الله أن ينجيك منها؟ فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي. فلما أخلص قلبه لله تعالى، فعند ذلك قال الله تعالى: {قُلْنَا ياذا نَّارٍ كُونِى بَرْدًا وسلاما على إبراهيم}، يعني: سلميه من حرِّك وبردك.
قال عكرمة: بردت نار الدنيا كلها يومئذ، فلم ينتفع بها أحد من أهلها؛ وقال كعب: ما أحرقت النار من إبراهيم غير وثاقه؛ وقال قتادة: إن الخطاف كانت تطفىء النار بأجنحتها، وكانت الوزغة تنفخها؛ وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقْتُلُوا الوَزَغَةَ، فَإنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ عَلَى إبراهيم النَّارَ» وكانت تقتلهن؛ وقال على بن أبي طالب في قوله: {بَرْدًا وسلاما} لو لم يقل وسلامًا، لأهلكه البرد؛ وكذلك قال ابن عباس: فضمه جبريل بجناحه ووضعه على الأرض، وضرب جناحه على الأرض، فأظهر الماء واخضرت الأرض. فلما كان في اليوم الثالث، خرج النمرود مع جيشه وأَشْرَفَ على موضع مرتفع لينظر إلى النار، فرأى في وسط ذلك الموضع ماء وخضرة، ورأى هناك شخصين والنار حواليهما، فقال: إنا قد رمينا إنسانًا واحدًا، فما لي أَرى فيها شخصين؟ فرجع متحيرًا.
قال الله تعالى: {وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْدًا}، يعني: حرقًا، {فجعلناهم الأخسرين}؛ يعني: الأذلين الأسفلين، {ونجيناه وَلُوطًا إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا للعالمين}؛ يعني: إلى الأرض المقدسة، فخرج إبراهيم من ذلك الموضع وقال للوط: إني أريد أن أهاجر، فصدقه واتبعه، فخرجا إلى بيت المقدس، ويقال إلى الشام {التى بَارَكْنَا فِيهَا} بالماء والثمار للناس.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق}، يعني: الولد.
{وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}، يعني: زيادة؛ وذلك أنه سأل الله تعالى الولد، فأعطاه الله تعالى الولد وهو إسحاق عليه السلام وولد الولد فضله على مسألته وهو يعقوب عليه السلام ويقال: نافلة أي غنيمة.
{وَكُلًا جَعَلْنَا صالحين}، يعني: أكرمناهم بالإسلام؛ وقال الكلبي: كان لوط ابن أخي إبراهيم، فكان لوط بن هازر بن آزر وهو عم لوط؛ وقال بعضهم: كان ابن عمه، وكانت سارة أخت لوط.
ثم قال عز وجل: {وجعلناهم أَئِمَّةً}، يعني: قادة في الخير؛ ويقال: أكرمناهم بالأمانة والنبوة.
{يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}، يعني: يدعون الخلق {بِأَمْرِنَا} إلى أمرنا وإلى ديننا.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات}، يعني: أمرناهم بالأعمال الصالحة، ويقال: بالدعاء إلى الله تعالى، أي قول لا إله إلا الله.
{لَّيْسَ البر}، يعني: تمام الصلاة، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً}؛ يعني: الزكاة المفروضة وصدقة التطوع.
{وَكَانُواْ لَنَا عابدين}، يعني: مطيعين.
وقوله عز وجل: {وَلُوطًا}، يعني: واذكر لوطًا إذ {اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}، يعني: النبوة والفهم؛ ويقال: {لُوطًا}، يعني: وأوحينا إليهم وآتينا لوطًا حكمًا وعلمًا، يعني: النبوة والفهم.
{ونجيناه مِنَ القرية}، يعني: مدينة سدوما {التى كَانَت تَّعْمَلُ الخبائث}، يعني: اللواطة.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فاسقين}، يعني: عاصين.
{وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِنا}، يعني: أكرمنا لوطًا في الدنيا بطاعتنا وفي الآخرة بالجنة.
{إِنَّهُ مِنَ الصالحين}، يعني: من المرسلين.
قوله عز وجل: {وَنُوحًا}، يعني: واذكر نوحًا {إِذْ نادى مِن قَبْلُ}، يعني: دعا على قومه من قبل إبراهيم وإسحاق، {فاستجبنا لَهُ فنجيناه وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم}؛ يعني: الغرق وتكذيب قومه.
{ونصرناه مِنَ القوم}، يعني: على القوم {الذين كَذَّبُواْ بآياتنا}، يعني: كذبوا نوحًا بما أنذرهم من الغرق، ويقال: {ونصرناه مِنَ القوم}، أي نجيناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء}، أي كافرين، {فأغرقناهم أَجْمَعِينَ}؛ يعني: الصغير والكبير فلم يبق منهم أحد إلا هلك بالطوفان، قال عز وجل {وَدَاوُدَ وسليمان}، يعني: واذكر داود وسليمان، {إِذْ يَحْكُمَانِ في الحرث إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهدين}؛ وذلك أن غنمًا لقوم وقعت في زرع رجل، فأفسدته.
قال ابن عباس في رواية أبي صالح: إن غنم قوم وقعت في كرم قوم ليلًا حين خرج عناقيده، فأفسدته؛ فاختصموا إلى داود بن أيشا عليه السلام فقوَّم داود الكرم والغنم، فكانت القيمتان سواء، يعني: قيمة الغنم وقيمة ما أفسدت من الكرم؛ فدفع الغنم إلى صاحب الكرم. فخرجوا من عنده، فمروا بسليمان عليه السلام فقال: بمَ قضى بينكم الملك؟ فأخبروه فقال: نِعْمَ ما قضى به، وغير هذا أرفق للفريقين جميعًا. فرجع أصحاب الكرم والغنم إلى داود، فأخبروه بما قال سليمان؛ فأرسل داود إلى سليمان فقال: كيف رأيت قضائي بين هؤلاء؟ فإني لم أقض بالوحي، إنما قضيت بالرأي. فقال: نِعْمَ ما قضيت. فقال: عزمت عليك أي أنشدك بحق النبوة وبحق الوالد على ولده إلا أخبرتني. فقال سليمان: غير هذا كان أرفق بالفريقين. فقال: وما هو؟ قال سليمان: يأخذ أهل الكرم الغنم، ينتفعون بألبانها وسمنها وصوفها ونسلها؛ ويعمل أهل الغنم لأهل الكرم في كرمهم، حتى إذا عاد الكرم كما كان، ردوه. فقال داود: نِعْمَ ما قضيت به. فقضى داود بينهم بذلك. وقال بعضهم: كان ذلك القضاء نافذًا فلم ينقض ذلك. وكان سليمان في ذلك اليوم ابن إحدى عشرة سنة فذلك قوله: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم} يعني: دخلت فيه غنم القوم، ويقال: نفشت أي دخلت فيه بالليل من غير حافظ لها؛ وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الزهري رحمهم الله قال: النفش لا يكون إلا ليلًا، والهمل بالنهار؛ وروى قتادة، عن الشعبي أن شاة وقعت في غزل الحواك، فاختصموا إلى شريح رحمه الله فقال شريح: انظروا أوقعت ليلًا أو نهارًا. فإن كان بالليل يضمن، وإن كان بالنهار لا يضمن، ثم قرأ شريح: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم} وقال: النفش بالليل والهمل بالنهار، وكلاهما الرعي بلا راع.
وروى سعيد بن المسيب أن ناقة البراء بن عازب دخلت حَائِطًا لقوم فأفسدته، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حفظ الأموال على أهلها بالنهار، وعلى أهل الماشية ما أصابت الماشية بالليل.
وبهذا الخبر أخذ أهل المدينة، وقال أهل العراق: لا يضمن ليلًا كان أو نهارًا، إلا أن يتعمد صاحبها فيرسلها فيه، وذهبوا إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «جُرْحُ العجماء جبار».
{وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهدين}، يعني: عالمين.
قوله عز وجل: {ففهمناها سليمان}، يعني: ألهمناها سليمان.
{وَكُلًا ءاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}، يعني: النبوة والفهم بالحكم.
وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: لولا هذه الآية، لم يجرؤ أحد منا أن يفتي في الحوادث.
ثم قال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ داود الجبال يُسَبّحْنَ والطير}، يعني: كلما سبح داود، يسبح معه الجبال والطير، يعني: سخرنا الجبال والطير يسبحن معه إذا سبح؛ وقال: كان داود يمر بالجبال صبحًا، وهي تجاوبه وكذلك الطير؛ وقال قتادة: {يُسَبّحْنَ} أي يصلين معه إذا صلى، يعني: كل ما سبح داود تسبح معه الجبال والطير، يعني: سخرنا الطير والجبال يسبحن معه.
{وَكُنَّا فاعلين}، يعني: نحن فعلنا ذلك بهما.
قوله عز وجل: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ}، يعني: دروع الحديد؛ وذلك أن داود خرج يوما متنكرًا، ليسأل عن سيرته في مملكته، فقال جبريل: نِعْمَ الرجل هو، لولا أن فيه خصلة واحدة. قال: وما هي؟ قال: بلغني أنه يأكل من بيت المال، وليس شيء أفضل من أن يأكل الرجل من كدّ يده. فرجع داود عليه السلام وسأل الله عز وجل أن يجعل رزقه من كدّ يديه، فألان له الحديد، وكان يتخذ منها الدروع ويبيعها ويأكل من ذلك؛ فذلك قوله: {وَعَلَّمْنَاهُ} يعني: ألهمناهـ. ويقال: {علمناه} بالوحي صنعة اللبوس لكم.
{لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ}، يعني: يمنعكم قتال عدوكم.
قرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالتاء {لِتُحْصِنَكُمْ}، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {لنحصنكم} بالنون بدليل قوله وعلمناه وقرأ الباقون بالياء للفظ التذكير يعني: ليحصنكم الله عز وجل، ويقال: يعني: اللبوس، ومن قرأ بالتاء فهو كناية عن الصنعة، واختار أبو عبيد بالتاء {لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ}، لأن اللبوس أقرب إليه ثم قال: {فَهَلْ أَنتُمْ شاكرون}.
اللفظ لفظ الاستفهام، يعني: اشكروا وارث هذه النعم ووحدوه.
قوله عز وجل: {ولسليمان الريح}؛ قرأ عبد الرحمن {الريح} بضم الحاء على معنى الابتداء، وقراءة العامة {الريح} بالنصب، ومعناه وسخرنا لسليمان الريح {عَاصِفَةً}، يعني: قاصفة شديدة، وقال في موضع آخر {فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 36] يعني: لينة، فإنها كانت تشتد إذا أراد وتلين إذا أراد {تَجْرِى بِأَمْرِهِ}، يعني: تسير بأمر الله عز وجل، ويقال: بأمر سليمان.
{إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا} بالماء والشجر {وَكُنَّا بِكُلّ شيء عالمين}، يعني: من أمر سليمان وغيره.
قوله عز وجل: {وَمِنَ الشياطين مَن يَغُوصُونَ لَهُ}، يعني: سخرنا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في البحر، {وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلك} من البنيان وغيره، {وَكُنَّا لَهُمْ حافظين} من أن يهيجوا أحدًا في زمانه، ويقال: يحفظهم أن لا يفسدوا ما عملوا، ويقال: {وَكُنَّا لَهُمْ حافظين} ليطيعوا سليمان ولا يعصوه. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلَقَدْ آتَيْنَآ إبراهيم رُشْدَهُ}.
توفيقه. القرظي: صلاحه، {مِن قَبْلُ} أي من قبل موسى وهارون.
قال المفسّرون: يعني هديناه صغيرًا كما قال ليحيى {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيًّا} [مريم: 12].
{وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} بأنّه أهل الهداية والنبوة.
{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذه التماثيل} والصور يعني الأصنام {التي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} على عبادتها مقيمون.
{قَالُواْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} فاقتدينا بهم.
{قَالَ} إبراهيم {لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} بعبادتكم إيّاها.
{قالوا أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} يعنون أجادّ أنت فيما تقول أم لاعب؟
{قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذي فطَرَهُنَّ} خلقهّن {وَأَنَاْ على ذلكم مِّنَ الشاهدين وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} لأمكرنّ بها {بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ}.
قال مجاهد وقتادة: إنّما قال إبراهيم هذا في سّر من قومه ولا يسمع ذلك إلاّ رجل واحد منهم، وهو الذي أفشاه عليه وقال: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم}.
قال السدّي: كان لهم في كلّ سنة مجمع وعيد، فكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها، ثمَّ عادوا إلى منازلهم، فلمّا كان ذلك العيد قال أبو إبراهيم له: يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، فخرج معهم إبراهيم فلمّا كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال: إنّي سقيم يقول: أشتكي رجلي، فتواطؤوا رجله وهو صريع، فلمّا مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعف الناس {وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى الآلهة فإذا هنَّ في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض، كلّ صنم يليه أصغر منه إلى باب البهو، وإذا هم قد جعلوا طعامًا فوضعوه بين يدي الأصنام، قالوا: إذا كان حين نرجع رجعنا وقد بركت الآلهة في طعامنا فأكلنا، فلمّا نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال لهم على طريق الاستهزاء: ألا تأكلون؟ فلمّا لم يجبه أحد قال: ما لكم لا تنطقون؟ {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا باليمين} [الصافات: 93]، وجعل يكسرهنّ بفأس في يده حتى إذا لم يبق إلاّ الصنم الأكبر علّق الفأس في عنقه ثم خرج، فذلك قوله سبحانه {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا}.